تنص إحصائيات منظمة مكافحة المخدرات والمنظمات الصحية المهتمة بالتخلص من آفة المخدرات بأنه إذا تجاوزت نسبة الإدمان الواحد بالمائة من إجمالي السكان في دولة ما فإن هذا يكون سببا مباشرا في إضافة هذه الدولة إلى قائمة الدول ذات الشعوب المدمنة على المخدرات وبنظرة سريعة وفاحصة لطبيعة التعامل مع المخدرات في المجتمعات العربية والإسلامية نجد أن إحصائيات المكتب الإقليمي للشرق الأوسط لمكافحة المخدرات تقرر أن نسبة عدد المدمنين من الرجال في مجمل بلدان الشرق الأوسط في الفئة العمرية من سن 15 إلى 49 سنة هي 2,6% .
وسيصدر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تقريره العالمي عن المخدرات لهذا العام؛ الذي قدر فيه إجمالي عدد متعاطي المخدرات والعقاقير في العالم بنحو 185 مليون شخص، أي ما يعادل ثلاثة في المائة من عدد سكان العالم أو 4.7 في المائة من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة والمعلومات الواردة في هذا التقرير تثبت أن القنّب هو أكثر مواد التعاطي انتشارا (قرابة 150 مليون شخص من المتعاطين)، يليه المنشطات الأمفيتامينية (زهاء 38 مليون شخص من المتعاطين) أما من حيث التأثير الصحي مقاسا بالطلب على الخدمات العلاجية فإن المواد الأفيونية لا تزال تمثل أخطر مشاكل المخدرات في العالم.
ولئن كانت النسبة السابقة تضع مجمل الدول في قائمة الإدمان إلا أنه لا بد من نظرة أدق في نوعية هذا الإدمان ونوعية المواد التي يتم إدمانها فالغرب مثلا يتعامل مع المواد مرتفعة الثمن وهذا هو النمط السلوكي السائد هناك وهذه في ذات الوقت رفاهية لا تتوفر للمدمنين في بلادنا على نطاق واسع وبالتالي ففي الغرب يكثر الإدمان على المواد المستعملة بحقن الوريد الهيروين والكوكايين أو عن طريق لف لفافات السكائر الحاوية على المخدرات مثل الكوكائين والحشيش والمارجوانا أو عن طريق الشم أو البلع.
وفي نطاق آخر تختلف العادات الإدمانية من دولة إلى أخرى ففي مصر على سبيل المثال يحتل مخدرات مثل الحشيش المرتبة الأولى في التعاطي بين الشباب لرخص ثمنها نسبيا وانتشارها بكثرة في الأونة الأخيرة وسهولة الحصول عليها أما في اليمن فيتمثل شكل التداول للمخدرات في استعمال القات، بصفة رئيسية ويتعامل معه الشعب اليمني باعتباره أما في الخليج العربي فالأكثر استعمالاً هو الحبوب أو الكيماويات والأدوية وهذه أخطرها تأثيرا على الصحة.
وبالنزول إلى المستويات المادية الأقل يظهر الإدمان على مواد مثل الكودايين وهو شراب والبروكسيمول والمواد المهدئة الأخرى وأدوية الأعصاب وعلاج الاكتئاب وهي أدوية تتميز في غالبها برخص ثمنها وقوة مفعولها والخطورة الحقيقية أن أغلبها لا يدخل في جداول المخدرات الصادرة عن وزارة الصحة المعنية بالأمر إلا بعد انتشار استعمالها والتعرف عليها من طرف معتادي الإدمان بل وتفتح الباب لتجربة أصناف جديدة لم تكن معروفة من قبل بوصفها المخدر.
وللتقرير فإن استخدام المخدرات قديم قدم البشرية وتعاملت معه أقدم الحضارات في العالم فقد وجدت لوحة سومرية يعود تاريخها إلى الألف الرابعة قبل الميلاد تدل على استعمال السومريين للأفيون وكانوا يسمونه نبات السعادة وكذا عرف الهنود والصينيون (الحشيش) منذ الألف الثالث قبل الميلاد كما ورد في كتاب صيدلة ألفه الإمبراطور شينغ نانج، كما وصفه هوميروس في الأوديسا.
وعرف الكوكائين في أمريكا اللاتينية منذ 500 عام ق.م وكان الهنود الحمر يمضغون أوراقه في طقوسهم الدينية أما القات فقد عرفه الأحباش قديماً ونقلوه إلى اليمن عام 525 ميلادي.
وفي أوائل القرن التاسع عشر تمكن الألماني سيدترونر من فصل مادة المورفين عن الأفيون وأطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى مورفيوس إله الأحلام عند الإغريق.
وفي المشرق الإسلامي يرجح ابن كثير أن الحسن بن الصباح في أواخر القرن الخامس الهجري، الذي كان زعيم طائفة الحشاشين، وكان يقدم طعاماً لأتباعه يحرف به مزاجهم ويفسد أدمغتهم. وهذا يعني أن نوعاً من المخدرات عرفه العالم الإسلامي في تلك الحقبة.
ويرى المقريزي أن ظهور الحشيشة كان في أول القرن السابع الهجري على يد (الشيخ حيدر) من جهلاء المتصوفة وكان يسميها (حشيشة الفقراء). ( المخدرات خطر داهم: د. محمد نزار الدقرص).